سورة يونس - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


{الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1)}
{الر} تعديد للحروف على طريق التحدي. و{تِلْكَ ءايات الكتاب} إشارة إلى ما تضمنته السورة من الآيات والكتاب السورة. و{الحكيم} ذو الحكمة لاشتماله عليها ونطقه بها. أو وصف بصفة محدثة. قال الأعشى:
وَغَرِيبَةٍ تَأْتِي الْمُلُوكَ حَكِيمَة *** قَدْ قُلْتُها لِيُقَالَ مَنْ ذَا قَالَهَا
الهمزة لإنكار التعجب والتعجيب منه. و{أَنْ أَوْحَيْنَا} اسم كان، وعجباً: خبرها.
وقرأ ابن مسعود: {عجب} فجعله اسماً وهو نكرة و{أَنْ أَوْحَيْنَا} خبراً وهو معرفة، كقوله:
يَكُونُ مِزَاجَهَا عَسَلٌ وَمَاءُ ***
والأجود أن تكون (كان) تامة، وأن أوحينا بدلاً من عجب.
فإن قلت: فما معنى اللام في قوله: {كَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا}؟ وما هو الفرق بينه وبين قولك: أكان عند الناس عجباً؟ قلت: معناه أنهم جعلوه لهم أعجوبة يتعجبون منها، ونصبوه علماً لهم يوجهون نحوه استهزائهم وإنكارهم، وليس في عند الناس هذا المعنى، والذي تعجبوا منه أن يوحى إلى بشر، وأن يكون رجلاً من أفناء رجالهم، دون عظيم من عظمائهم، فقد كانوا يقولون: العجب أنّ الله لم يجد رسولاً يرسله إلى الناس إلاّ يتيم أبي طالب، وأن يذكر لهم البعث وينذر بالنار ويبشر بالجنة، وكل واحد من هذه الأمور ليس بعجب، لأنّ الرسل المبعوثين إلى الأمم لم يكونوا إلاّ بشر مثلهم. وقال الله تعالى: {قُل لَوْ كَانَ فِي الأرض ملائكة يَمْشُونَ مُطْمَئِنّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مّنَ السماء مَلَكًا رَّسُولاً} [الإسراء: 95] وإرسال الفقير أو اليتيم ليس بعجب أيضاً، لأنّ الله تعالى: إنما يختار من استحق الاختيار، لجمعه أسباب الاستقلال بما اختير له من النبوّة. والغنى والتقدم في الدنيا ليس من تلك الأسباب في شيء {وَمَا أموالكم وَلاَ أولادكم بالتى تُقَرّبُكُمْ عِندَنَا زلفى} [سبأ: 37] والبعث للجزاء على الخير والشرّ هو الحكمة العظمى فكيف يكون عجباً؟ إنما العجب العجيب والمنكر في العقول تعطيل الجزاء {أَنْ أَنذِرِ الناس} أن هي المفسرة؛ لأنّ الإيحاء فيه معنى القول: ويجوز أن تكون المخففة من الثقيلة، وأصله: أنه أنذر الناس، على معنى: أن الشأن قولنا أنذر الناس. و{أَنَّ لَهُمْ} الباء معه محذوف {قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبّهِمْ} أي سابقة وفضلاً ومنزلة رفيعة.
فإن قلت: لم سميت السابقة قدماً؟ قلت: لما كان السعي والسبق بالقدم، سميت المسعاة الجميلة والسابقة قدماً، كما سميت النعمة يداً لأنها تعطى باليد. وباعاً لأنّ صاحبها يبوع بها، فقيل: لفلان قدم في الخير. وإضافته إلى صدق دلالة على زيادة فضل، وأنه من السوابق العظيمة، وقيل: مقام صدق {إِنَّ هَذَا} إن هذا الكتاب وما جاء به محمد {لسحر} ومن قرأ: {لساحر} فهذا إشارة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو دليل عجزهم واعترافهم به وإن كانوا كاذبين في تسميته سحراً، وفي قراءة أبيّ: {ما هذا إلاّ سحر}.


{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4)}
{يُدَبِّرُ} يقضي ويقدر على حسب مقتضى الحكمة ويفعل ما يفعل المتحري للصواب الناظر في أدبار الأمور وعواقبها، لئلا يلقاه ما يكره آخراً. و{الامر} أمر الخلق كله وأمر ملكوت السموات والأرض والعرش.
فإن قلت: ما موقع هذه الجملة؟ قلت: قد دلّ بالجملة قبلها على عظمة شأنه وملكه بخلق السموات والأرض، مع بسطتها واتساعها في وقت يسير، وبالاستواء على العرش، وأتبعها هذه الجملة لزيادة الدلالة على العظمة وأنه لا يخرج أمر من الأمور من قضائه وتقديره، وكذلك قوله: {مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ} دليل على العزة والكبرياء، كقوله: {يَوْمَ يَقُومُ الروح والملائكة صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن} [النبأ: 38] و{ذلكم} إشارة إلى المعلوم بتلك العظمة، أي ذلك العظيم الموصوف بما وصف به هو ربكم، وهو الذي يستحق منكم العبادة {فاعبدوه} وحده ولا تشركوا به بعض خلقه من ملك أو إنسان، فضلاً عن جماد لا يضرّ ولا ينفع {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} فإن أدنى التفكر والنظر ينبهكم على الخطأ فيما أنتم عليه {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً} أي لا ترجعون في العاقبة إلاّ إليه فاستعدوا للقائه {وَعَدَ الله} مصدر مؤكد لقوله: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} و{حَقًّا} مصدر مؤكد لقوله: {وَعَدَ الله}. {إنَّهُ يبدؤ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ} استئناف معناه التعليل لوجوب المرجع إليه، وهو أنّ الغرض ومقتضى الحكمة بابتداء الخلق وإعادته هو جزاء المكلفين على أعمالهم. وقرئ: {أنه يبدؤ الخلق} بمعنى لأنه. أو هو منصوب بالفعل الذي نصب وعد الله: أي وعد الله وعداً بدأ الخلق ثم إعادته. والمعنى: إعادة الخلق بعد بدئه. وقرئ: {وعد الله}، على لفظ الفعل. ويبدئ، من أبدأ. ويجوز أن يكون مرفوعاً بما نصب حقاً، أي حقّ حقاً بدأ الحلق، كقوله:
أَحَقّاً عِبَادَ اللَّهِ أَنّ لَسْتُ جَائِيا *** وَلاَ ذَاهِباً إلاّ عَلَيَّ رَقِيبُ
وقرئ: {حق أنه يبدؤ الخلق} كقولك: حق أنّ زيداً منطلق {بالقسط} بالعدل، وهو متعلق بيجزى. والمعنى: ليجزيهم بقسطه ويوفيهم أجورهم. أو بقسطهم وبما أقسطوا وعدلوا ولم يظلموا حين آمنوا وعملوا صالحاً، لأنّ الشرك ظلم. قال الله تعالى: {إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] والعصاة: ظلاّم أنفسهم، وهذا أوجه، لمقابلة قوله: {بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ}.


{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)}
الياء في {ضِيَاء} منقلبة عن واو ضوء لكسرة ما قبلها. وقرئ: {ضئاء} بهمزتين بينهما ألف على القلب، بتقديم اللام على العين، كما قيل في عاق: عقا. والضياء أقوى من النور {وَقَدَّرَهُ} وقدّر القمر. والمعنى وقدّر مسيره {مَنَازِلَ} أو قدّره ذا منازل، كقوله تعالى: {والقمر قدرناه مَنَازِلَ} [يس: 39]. {والحساب} وحساب الأوقات من الشهور والأيام والليالي {ذلك} إشارة إلى المذكور أي ما خلقه إلاّ ملتبساً بالحق الذي هو الحكمة البالغة ولم يخلقه عبثاً. وقرئ: {يفصل}، بالياء.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8